نور الدنيا
المدير العام
الجنس : عـدد مساهـماتـك : 1450 نــقـــ ــاطـ : 2155 تاريخ التسجيل : 04/02/2011 الموقع : واد ســــــــــوف العمل/الترفيه : طالب جامعي المزاج : ممتاز
| موضوع: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة السبت فبراير 05, 2011 1:02 am | |
| [size=21]حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية * كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً * بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً * قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً * أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد * نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك * ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد! وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ … فتاةُ في مَيْعة الصِّبا * لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً * بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة * لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب * حينما وجهت نظري إلى أحدهم … رأيتُه يحاصر المكان بعينيه * ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك ؛ كنت في لحظتها أتذكر قولالرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه * ولم يظهر لونه * ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )). ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف * لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟ كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها * ليست لغيره من الناس * وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره * كان هذا الجواب واضحاً * ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه * قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة * أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟ عندما جاءت ((خادمة الطائرة )) بالعصير * أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال * وقدَّمته إليَّ * تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف * وشربت العصير وأنا ساكتٌ *ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني * وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - * ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة * ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه * كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من الالتفات ؟ ))* فلم يلتفت بعدها . عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر البديع سبحان الله العظيم * قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع * قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم * ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة * ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر … لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة * كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية * وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة * لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف * أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين … قلت لها : سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم * فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة .. قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى .. قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه *الذي أودع فيه أسراراً عظيمة * وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم *وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد. قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ * ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة .. لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها . وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً * ماذا أفعل * هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة * أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟ وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها. وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها * أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك * ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي … وقرأت القصاصات بعناية كبيرة * إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة .. إنها خواطر حالمة * هي فتاة رقيقة المشاعر جداً * أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح * لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري * قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول * بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة .. قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة * ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي * لم أفهم منها شيئاً * فماذا أردتِ أن تقولي …؟ بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد * خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل * أقرأ المجلات النسائية المختلفة * أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين * يعجبني وجه فلانة * وقامة فلانة * وفستان علاَّنة * بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه * فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام * أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم * بل إني أغفو وأنا في مكاني * فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي …* وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره * هناك يرتحل النوم * فلا أعرف له مكاناً . عجباً * أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة * وتبدأ رحلتي مع الأرق * وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها … (( إنها مريضة )) قلتها في نفسي * نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير * إنها بحاجة إلى علاج . قلت لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة * يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق … قالت : عجباً لك * أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة *كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب * بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا * وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع * أنا معك أنه ليس لها معنى واضح * ولكنها جميلة . وهنا سألتها مباشرة : هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟! بدا على وجهها الارتباك * لم تكن تتوقع السؤال * وقبل أن تجيب قلت لها : هل لك عقل تفكرين به * وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها * وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل . هل أنتِ مسلمة ؟!.. هنا تغيَّر كل شيء * أسلوبها في الحديث تغيَّر * جلستها على المقعد تغيَّرت * قالت : هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام * لماذا تسألني هذا السؤال * إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد * إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ….. وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم … لم أعلق على كلامها بشيء * بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها * ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل * يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله * ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد * ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما بعد * ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني : أتشك في إسلامي ؟! قلت لها : ما معنى الإسلام ؟! قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج * تُلوِّن وجهها بالأصباغ * وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة * وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها * فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً * نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة … ؟! قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟ قلت لها : ما الإسلام ؟ … قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم * قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد * والانقياد له بالطاعة * و الخلوص من الشرك )) * قالت : إي والله ذكرتني * لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة ! قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟ سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة * لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟ قلت لها : عجباً لك * لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟ قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني * أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني * ولكن بطريقة غير مباشرة .. قلت لها : ألست مسلمة ؟ قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك * وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى . قلت لها : أنا متأسف جداً * وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا … ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام * ويقول : إنه دين الإرهاب * وإن أهله يدعون إلى الإرهاب * وقلت في نفسي : سبحان الله * المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه * ويقال عنهم أهل الإرهاب … وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير * وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً * وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك * ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة * وفوجئت بها تقول : ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها * بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها … ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير * ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام … واستمر الصمت … وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي * وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً : ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !.. قلت لها : لا أدري ما معنى القسوة عندكِ * أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها * إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟ قالت : أشعر أنك تحتقرني .. قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟ قالت : لا أدري . قلت لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك * إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ *أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية * أنت تعيشين التأرجح بين حالتين … وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟! قلت لها : أرجو ألاَّ تغضبي * دعيني أكمل * أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية * أنتِ مهزومة من الداخل * لاشك عندي في ذلك * وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها . قالت مذعورة ً : ما هي ؟ قلت : تقولين إنك مسلمة * والإسلام قول وعمل * وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) * فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟ وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي * ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع * قلت لها : هذه العباءة * وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول …. قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل * المهم الجوهر . قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي تؤمنين به * ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر * إن أحدهما يدلُّ على الآخر * وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر * اضطربت حياة الإنسان … قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟ قلت لها : كلا * لم أقصد هذا أبداً * ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً * فإن انسجم باطنها مع ظاهرها * كانت مسلمة حقّة * وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها * فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً * إن الجوهر هو المهم * وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة * ألم تقل : إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟ لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها *وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) . إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك - لا يتجاوز حدود العادة والتقليد * ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد * أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله * واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع * ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة . الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟ فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً * وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال.. قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد * وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه * إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان *ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل *فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس * وتلاعب به الشيطان * وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين … لم تقل شيئاً * بل لاذت بصمت عميق * ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة … وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت * وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟ لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً * ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة * ودعوت لها بالهداية * ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق . وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة * عادت وعليها عباءَتُها وحجابها … ولا تسل عن فرحتي بما رأيت ! قالت : إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد * صدقت - حينما وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية * إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم * يا ويلنا من غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام * لا أكتمك أيها الأخ الكريم * أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات * والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة * لماذا نحن هكذا ؟ هل نحن مسلمون حقاًً ؟ هل أنا مسلمة ؟ كان سؤالك جارحاً * ولكني أعذرك * لقد رأيتني على حقيقة أمري * ركبت الطائرة بحجابي * وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب * كنت مقتنعة بما صنعت * أو هكذا خُيِّل إليَّ أني مقتنعة * بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية والازدواجية * إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً * ولكنك أرشدتني * إني أتوب إلى الله وأستغفره . ولكن أريد أن أستشيرك . قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم … تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) . قالت : زوجي * أخاف من زوجي . قلت : لماذا تخافين منه * وأين زوجك ؟ قالت : سوف يستقبلني في المطار * وسوف يراني بعباءتي وحجابي .. قلت لها : وهذا شيء سيسعده … قالت : كلا * لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس * إنه سيغضب بلا شك . قلت لها : إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك * و بإمكانك أن تناقشيه هادئة فلعلَّه يستجيب * إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة . وساد الصمت …. وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها … أهذا صحيح ؟! أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله * إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر * ونحن عنهم غافلون * بل * نحن عن أنفسنا غافلون . وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد * وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وبين جارة المقعد * ولم أرها حين استقبلها زوجها * بل إن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان * كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم … كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط * والسفسطة * والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير * وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم * وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة وتسلَّمتها منه بشغف * لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد المرأة من أنوثتها تماماً * وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل * فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) . أم محمد ؟ من تكون هذه ؟! وقرأت الرسالة * وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ * إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة * والتي غاصت قصتها في عالم النسيان ! إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : (( ثم أمسكت بالقلم … وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن فرحتي برسالتها * وبما حملته من البشرى * وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها * منها : ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ وعندما هممت بإرسال رسالتي * تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ * فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوملعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم * إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير * وأبشرك أن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله * وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها * وأقول لك * ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم * لقد قرأت قصيدتك )) ضدان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) ! لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه الرسالة …. ما أعظمها من بشرى ….. حينما * ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) * ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } ….
ضدَّان يا أختاه ..
هذي العيونُ * وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح * وعِبْرَةٌ تبدو سبحانَ من أعطَى * أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ من أين أنتِ * أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ * فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟ من أينَ أنتِ * فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي - لهفةً - تعدو قالتْ * وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري * وفي كلماتها جِدُّ : عربيةٌ * حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِـدُّ أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ * بالنفس أعتـدُّ عربيّةٌ * فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم * ولخالقي الحمدُ فسألْتُها * والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ : من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز * ولا رأتْ نجدُ هذا التبذُّلُ * يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ0
[/size] | |
|
القلب الطيب
عضو مشارك
الجنس : عـدد مساهـماتـك : 100 نــقـــ ــاطـ : 158 تاريخ التسجيل : 05/02/2011 المزاج : مزاج الطيب
| موضوع: رد: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة السبت فبراير 05, 2011 1:49 am | |
| | |
|
مفتاح القلوب
عضو مشارك
الجنس : عـدد مساهـماتـك : 676 نــقـــ ــاطـ : 740 تاريخ التسجيل : 05/02/2011 العمر : 30 الموقع : في الجنة انشاء الله العمل/الترفيه : طـــــــــالب المزاج : جميـــــــــل ورااااااايق
| موضوع: رد: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة السبت فبراير 05, 2011 9:46 pm | |
| | |
|
ALMAISTRO
مراقب
الجنس : عـدد مساهـماتـك : 1324 نــقـــ ــاطـ : 1639 تاريخ التسجيل : 07/02/2011 العمر : 33 الموقع : الوادي/الدبيلة العمل/الترفيه : طالب...الرسم الرياضة والنت المزاج : ..........Encrypted..........
| موضوع: رد: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة الأربعاء مارس 02, 2011 6:07 pm | |
| | |
|